الاثنين، 2 ديسمبر 2013

العقلانية ودورها في تثبيت دور العقل




العقلانية اقتراب فكري يعتبر العقلَ مركزيًّا في توليد المعرفة الصحيحة، ويتحدد معنى "العقلانية" بحسب المجال الذي تنطلق منه،سواء أكان نظرية المعرفة،أم معرفة الدين،أم في دوائر علم الأخلاق،أم في حقائق علم المنطق،وحتى في مجال وحيز العلم الطبيعي والرياضي. ومع هذا يظل الاستخدامُ الأكثرُ شيوعًا للكلمة مرتبطا بنظرية المعرفة واقتراب التعامل مع الدين (وحيًا ونبوة) كمصدر للمعرفة.
وتعني العقلانية في مجال نظرية المعرفة ذلك المذهب الذي يرى أن المعرفة اليقينية في ذاتها لابد وأن تكون كلية بحيث تشمل القضية جميع الحالات الجزئية، وضرورية؛ بحيث تنتج وتفصح النتائج عن المقدمات لزومًا ضروريًّا, فهي ترى أي (العقلانيةُ الفلسفيةُ) أن الكلية والضرورة، كصفتين منطقيتين للمعرفة الحقة,لا يمكن استنتاجهما من التجربة وحدها،وترى أيضا أن عمومية المعرفة الحقة تُستنتج من العقل نفسه وبقوانينه المستمده من تكوينه الأصلي خارج محدد أخر أي خارج نطاق العقل.
وهذا يعني للقارئ والمتمعن بالمعنى أن العقل بذاته يحكم على الأشياء بما له من قدرة تكوينية فقط أي من ذاتيات العقل التي تكون منها وعليها,فالعقل بهذا المفهوم مفصول تمام عن الواقع المعاش بل هو فوق الواقع وفق التجربة وفوق ألية أكتساب المعرفة,فالعقل قالب مصاغ أصلا على الكمالية والتمام دون أن يكون لهذا التكوين مصدر يستنتج منه ويكون مقياسه عليه أو بالأقل يساعد في تكوين الخطوط القياسية عنده.
لا تعترف العقلانية بما ينتج طبيعا من خلال تنمية العقل وتكوين مبادئه وأحكامه من خارج تكوينه الذاتي إما من التصورات المفطورة في العقل (مثل نظرية الأفكار الفطرية عند ديكارت)، أو من التصورات الموجودة في صورة الاستعدادات القبلية للعقل التي تمارس التجربةُ تأثيرَها المنبه على ظهورها،لكن سمتي الكلية المطلقة والضرورة المطلقة تُعطى لها قبل التجريب الواقعي،وأحكام العقل والصور القبلية مستقلة بشكل مطلق عن التجربة كما عند الفيلسوف الألماني كانط(1724_1804م).
بهذا المعنى تقف "العقلانية" كفلسفة ومنهج في مواجهة "التجريبية" التي ترى أن المعرفة اليقينية تنبع من التجربة لا من العقل،وهكذا فإن تميز العقلانية يتمثل في كونها تنكر قضية أن الكلية والضرورة تنشآن من التجربة ومن خلاصتها عبر الزمن التأريخي للعقل الذي أثبتت كل الدلائل على أن العقل من موارده الأساسية وأحد روافد التكوين عنده التجربة والنقل بمعنى الجانب الخارجي الذي يساهم في أرشاد العقل للمحددات والقوانين.
ليس العقل قادر بذاته أن يستكشف القبيح والحسن ذاتيا إلا من خلال قبوله أو رفضه لنتائج كل منهما ولا تنتج هذه النتائج إلا من خلال الأثر التجريبي أولا الذي يوافق أساسيات النقل ,فالتجربة لا تتم إلا من خلال أفتراض وبرهان وتطابق الفرض مع البرهان هو المعيار الذي يقبله العقل ويركن إليه,والفرض يمكن وضروري أن يكون من خارج العقل لأن وظيفة العقل بالتالي تطبيق ومراقبة البرهان,فلو كان الفرض والبرهان وظيفتين للعقل فلا بد له من طرف محايد يثبت صحة وتطابق النتائج مع البراهين وهذا الطرف المحايد لابد أن يكون خارج العقل وغير منحاز ليكون حكما عدلا وبذلك نخرج العقل من أن يكون هو الحاكم الفعلي والحكم الغير منحاز لا للتجربة ولا للفرض.
هذا على مستوى المعرفة الإنسانية الخاصة به والتي تتفرد من معطيات الحس والتجربة. وأما فيما يتعلق بالموقف من الدين؛فيشير وصف العقلانية إلى أصحاب رؤى متعددة وبالغة التفاوت بما يصعب معه كما ذكرنا اعتبارُ العقلانية مذهبا أو مدرسة فكرية متجانسة؛فمنهم القائل بأن المذاهب الدينية ينبغي أن تختبر بمحك عقلي.
أو يشير الوصف أحيانًا للقائلين بأنه لا يمكن الإيمان بخوارق الطبيعة أو الغيب بالمفهوم الديني،وهذا المعنى الأخير لا ينطبق على كل العقلانيين؛لأن منهم من يقبل المعجزات والغيب ويسوغها عقلانيا على أعتبارات تنبع من معتقداتهم التي لا تتعارض مع الدين بل تجنح نحو الدين كونه مصدره العقل الكلي الكامل؛ مثل الفيلسوف ليبنتز،وأيضًا يطلق وصف العقلانية على الذين يقبلون المعتقدات الدينية لكن بعد اختبارها اختبارا عقليًّا ووفق نفس قوانين العقل،كما يطلق على المؤمنين الذين يفسرون الدين في ضوء العقل ويقبلون بنتائجه المتوافقة بين الأثنين،ويعتبرون أنهما لا ينفكان عن بعضهما البعض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق