الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

الأحلام مصدر قلق إنساني




الأحلام مصدر قلق
الحقيقة التي يتبناها الكثيرون هي أن الأحلام بمختلف أنواعها ومؤثراتها تشكل مصدر قلق وإنشغالات فكرية قد تطيح بالكثير من عوامل التوازن النفسي عند الإنسان ,وحتى الجميلة منها قد تسبب بنوع من الهروب الى الأمام دون أن ندرك حجم التضليل الذي يمارسه الشعور بالسعادة أحيانا من حلم قد يدفعنا إلى الاسترخاء بدل الاجتهاد لنتفاجأ في لحظة ما أننا قد تخلفنا عن ضروريات ومهمات كان لا بد لها من معالجة في أوقات متقدمة.
القلق الذي يدفع للأمام هو القلق المنتج القلق الدفاعي الذي يشعرك بضرورة عدم السكون والتأجيل والتسويف ولكي يكون كذلك عليك أن تستفيد من حالة لقلق الإيجابي للبحث عن حلول عن خطوات مرسومة وعملية تقودك نحو تشخيص الوقع ومعالجة حالة الدافع المقلق دون أن تحبط فيك القدرة على الفعل, لأن الحياة ليست تعيينات ولكنها انفعالات وتفاعلات وتحديات واستجابات أحد أوجهها القلق، وقد يعيش البعض كل هذا العمر دون أن يهزه انفعال حاد أو قلق ليفتح عينيه على حقيقة أن بقاءه وعدمه سوء أو أن حياته ليس لها معنى أو بدون نكهة حقيقية تعيد له صياغة لمعنى وطريقة العيش فيها. 
بدأت الحياة الوجودية للإنسان بحلم كبير له أمتداد لا ينقطع ولا يتقاطع مع علة وجوده هذا الحلم الذي نعيش تفاصيله كل ثانية من عمر آدم وبنيه حتى يرث الله الأرض ومن عليها هو حلم العودة إلى الموطن الأول الجنة التي أخرجنا الله منها بقلق وعشنا الغربة عنه بقلق ,من ينجح بالعودة ومن لا ينجح ,إنه الحلم الوحيد الذي يضفي على حياتنا مرارتها وجمالها في آن واحد, لكننا جميعا لا نفرط به بل لا يمكننا مغادرته أصلا.
إن ترابط شعورنا اللا إرادي مع الأحلام هو ترابط وجودنا مع علته ومنه نستقي الدوافع والمباعث التي تمنحنا مشروعية البقاء وسببية الاستمرار فيه, لذا فإن جميع الديانات السماوية كانت تحذر الإنسان من فقدان الأمل بالعودة إلى دار البقاء الأزلي السرمدي إتساقا مع منحة الله لنا أنه علمنا بالفطرة كيف نحلم وكيف نعيش الحلم ونعيش لنحلم.
والإنسان الطبيعي القادر على الحلم وقادر على التعامل الإيجابي مع القلق منه والذي انتقل في كل أدوار حياته انتقالات طبيعية بتفاعلات طبيعية بدون توترات تكاملت شخصيته الإنسانية الفاعلة من مرحلة إلى مرحلة وكما نزل إلى الحياة كأنه ينزل في رحلة خلوية جميلة مليئة بالمفاجآت ،مغامرا في هذه الحياة دون أن يخشى أن يخسر نفسه نتيجة أفراطه في التحسس من ظاهرة الأحلام لأنها أصلا وسيلة دفاع ومنبه عقلي ووجودي فطري مستحكم ومستصحب لوجوده المجرد، قد امتلأ إحساسا بأنه حر وأنه قادر ومسئول وأنه يستطيع أن يفعل شيئا، وأن فاعليته يمكن أن تمتد إلى حلمه الأول حلم البداية المرة في الدنيا وهكذا تترافق الإنسانية والتاريخ معا في صيرورة أن نكون أو لا نكون.
علينا أن لا نجعل من الأحلام صدمات تعرقل مسيرتنا ولا نبني على هذه الصدمات تراكمات الفشل ,ب العقل لا بد له أن يتدخل في التنبيه كما تدخل في صنع الصدمة لأنه هو الوحيد القادر على صنع وعي حقيقي بذلك, ولأن على نتيجة هذه الصدمات يتوقف التطور الطبيعي عنده ويتوقف نمو الشخصية الإيجابية العقلانية، وبدلا من تكون الذات التي كانت في طريقها إلى الدنيا تتعامل مع الحياة بكل التفاصيل من خلال القلق المشروع لتنتج وتتطور وتتسامى، نجدها تعود بالقلق السلبي فتنضم على كيانها، تنكمش وتلتصق كما يلتصق الجنين بالرحم متوجلا من الخروج ومواجهة الواقع كما هو بكل ما فيه لا خيار أمامه إلا أن تتقد أو تموت متراجعا للخلف، والنفسانيون والفلاسفة يسمون هذه الحالة بالنكوص المدمر.
من فهم خاطئ ومبالغ فيه وأحيانا يكون متطرف جعل البعض من الأحلام هذه مصدرًا للفتنة بسبب محتواها السريالي المليء بالألغاز والرموز والأسرار واللامعقول والمعقول اللا ممكن فصيرها مدعاة للقلق جهلا أو تقصيرا في إدراك ماهية الأحلام، وعدم قدرتنا على السيطرة عليها زاد من هذا الإشكالية فحولها إلى نقمة بدل وضعها الطبيعي كونها نعمة تفتح له أبواب العقل ليصل إلى ما في الحلم من قوة دافعة أو كاشفة أو مفسرة وأحيانا مقررة لموضوع ما.
وغياب الفهم والتبرير المقبول علميًا عما هي حقيقة الأحلام بما تحمله من دلالات لها هدف أو غرض متصل بالحلم الأول, وعلى الرغم من أنه لا يوجد هناك اتفاق في الآراء حول الهدف أو الغرض من الأحلام يجمع عليه ذوي الشأن العلمي ، إلا أن هناك العديد من النظريات التي ترى أن الأحلام هي صور عشوائية يخلقها المخ وتعمل على أحداث اليوم الماضي ومجرياته وما جرت فيه من دوافع سببها القلق من عدم النجاح، ترى نظريات أخرى أن الأحلام هي عملية يشغل العقل نفسه بها في صنع سرديات متحركة أثناء نوم الجسد للتعويض عن معالجات كان لها أن تحدث لتسايره أي العقل بموجب نظامه الخاص.
الفهم الديني وخصوصا الإسلامي منه لا يرى في الجانبين إلا جزء صغير من الحقيقة من خلال ربط الفعل الحلمي بعامل خارجي هو لذي يمنح القدرة على أن يقوم بما يجب للمواجهة أو التحدي, الحلم في الإسلام كنظرية لا بواقع الذات الإنسانية فقط ولا منفصلا عنه ولكنه محكوم بفوقية متحكمة هي إرادة الله {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً }الفتح27.
هذه النظرية تربط ثلاثة مواضيع قد تبدو للباحث على صلة قوية بواقع الأحلام ,وهي تدخل القوة الفوقية والقلق من الحلم والنتيجة الغائية منه, إنها تسير وفق قانون الترتيب والموالاة فليس هناك حلم دون تدخل خارجي وداخلي مشترك ,كما أنه ليس هناك من حلم إلا ويجعل العقل في حراك استفساري عنه وعن غائيته ومراده, عليه فالقلق وإن كان مشروعا لكن التمكن منه سهل جدا من خلال الإيمان بهذا الرابط والعمل على فك الشفرة وفهم المعادلة على الوجه الصحيح الذي لا يجعل من القلق عامل سلبي بل عامل مقوم وفاعل نحو إدراك الصلة بالحلم الأول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق