الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

قوة العقل





   قوة العقل
إن سيطرة العقل على النوازع النفسية وتسخير قواها نحو قوانينه ومقدماته التي كونها أكتسابا وفطرة ستقود النفس الإنسانية لتظهر قوتها العظمى(النفس الكلية الإلهية)التي تنساق مع العقل وتنقاد له بدرجة مثالية عالية لتجعل من العقل يسمو في قوانينه وقواعده نحو الكمال البشري ونحو العودة إلى مكون هذه الأركان الإنسانية الخمسة ليخضع العقل بها تماما للنقل ويترافق معه ليس من خلال التجربة والبرهان ولكن من خلال التسليم الذي تحصله من تطور الإنسان (النفس) من الطور النباتي إلى الحيواني إلى الطور الناطق القدسي إلى الإنسان الكلي الذي يكون من الله وإليه يعود.
إن الدور الوسيط للأنتقال الإنسان (العقل) من الدور الحيواني إلى الناطق ومنه إلى الكلي هو العلم المتحصل بقوى النفس الحسية التي تستعملها النفس الناطقة من خلال كل ما يدركه العقل من نقل أو تجربة أو شعور حسي أو تأمل أو حتى خيال ولكن لكل من هذه المؤديات نتائج علمية ومعرفية تختلف حسب المصدر المكون لها ولذلك كان للعلم دور تكميلي للعقل ولكن ليس بديلا عنه ولا تعويضا عنه بل هو تزين وتطوير للقابلية العقلية ذاتها.
فقد ورد بالأثر عن رسول الله صل الله عليه أله وسلم ما يبين منزلة العقل عند الإسلام((أثنى قوم من الصحابة على رجل عند رسول الله صل الله عليه وأله وسلم بالصلاة و العبادة و خصال الخير حتى بالغوا فقال كيف عقله قالوا يا رسول الله نخبرك باجتهاده في العبادة و ضروب الخير و تسأل عن عقله فقال إن الأحمق ليصيب بحمقه أعظم مما يصيبه الفاجر بفجوره و إنما ترتفع العباد غدا في درجاتهم و ينالون من الزلفى من ربهم على قدر عقولهم)),فالعقل مفتاحه العلم والعلم مفتاحه الإيمان لأن الله أمر بالعلم قبل العمل والقول((كل الناس أمروا بأن يقولوا لا إله إلا الله إلا رسول الله فإنه رفع قدره عن ذلك و قيل له فاعلم أنه لا إله إلا الله فأمر بالعلم لا بالقول))(نهج البلاغة).
العلم لا يناقض العقل والدين لا يناقض العقل وكل في طريق واحد ما دام الجميع في حد واحد هو قبول الشئ على اليقين التصديقي القائم على البرهان لا على محدد أخر وهذا لا يعني أن نضع الجزئيات كلها موضع التجربة ولكن نضع الكليات في موضع الأمتحان فأن نتج منها لزوما وبالضرورة يقين فيكون نتاج الكليات مصداقا لمؤدي الجزئيات على قاعدة فحواه((لكل شيء صناعة و حسن الاختبار صناعة العقل)).
أي أن أختبارات العقل لا بد أن تكون بمنهج حسن يقوم على توخي الدقة ومجانبة الأنحياز نحو محدد أخر أو تغافل عن نتيجة لحسابت قد تخرج الأختبار من مداره وتعطل النتائج الضرورية وبهذا يقول الإمام علي عليه السلام((إذا خلي عنان العقل و لم يحبس على هوى نفس أو عادة دين أو عصبية لسلف ورد بصاحبه على النجاة)),فالنجاة هو الحصول على النتائج الحقيقية التي يبني العقل عليها كلياته ليقوم منها قانون أو قاعدة عقلية تتصل بمدار معرفي أو ديني.
القاعدة العقلانية التي يؤكد عليها الأسلام ويتفق العلم والعقل معه هي((ليس ينبغي أن يقع التصديق إلا بما يصح و لا العمل إلا بما يحل و لا الابتداء إلا بما تحسن فيه العاقبة)),وهذه القاعدة من الكليات التي تجعل من العقل والدين في توافق تام طالما كان وقوع التصديق بما يصح أي وفق قانون لابد له من تجربة لتثبت الصحية من عدمها,هذا القانون أساسا من معطى عقلي يعود النقل فيه للعقل ليحكم الأخير فيه بما في الأول,وهو جعل العقل يستند على قواعده ذاتها ومؤدياتها لا على قانون خارجي عنه.
فهو يسند التصديق على ما يثبت صحته عند العقل والعقل لكي يثبت الصحة لا بد من تجربة والتجربة لا بد لها من أدراك والأدراك لابد له من حواس والحواس لابد لها من محسوسات تتصل بها أثرا أو تحفيزا ولذلك قال الله تعالى{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }الملك19,فالطير في السماء قد مسكهن الله لا بما قد يتصور البعض أمساك مادي مباشر أو غير مباشر ولكن الإمساك وكما جاء في الآية من خلال الصف والقبض أولا ومن خلال التسخير الإلهي للشكل المغزلي للطير والريش وحركة الجناحين التي فيهما الصف والقبض التي تعني في العلم قوانين الحركة الفيزيائية التي تجعل الهواء في حركة تخلخلية تنتج ما يسمى بالقوى الرافعة التي تمكن الأشياء من الأرتفاع, ناهيك عن الكثير من التسخيرات التي تساعد الطير على الطيران,فالمثال المضروب يحيل هذا التصديق بالقدرة الإلهية للمحسوسات في أدراكها بوسطة مناطق الحس في الدماغ وأبتدءا من الرؤيا لتكوين صحية النقل بما جاء فيه,فهو أي النقل قد أحال إلى العملية الأدراكية العقلية بخطوطها الحسية والشعورية والتجريبة لتكوين معيار الصحة التي جعلها الدين طريقا للتصديق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق